لكل مجتمع مفرداته وإسقاطاته الأدبية الخاصة به، والتي غالباً ما تصنعها الحياة الاجتماعية وتحديداً الاجتماعية الخاصة بالجانب الأخلاقي والمبادئ التي يؤمن بها أفراد ذلك المجتمع، وجملتنا اليوم هي من ذلك النوع الذي يزخر بمعانٍ كثيرة ويختصر عشرات الأسطر «عصاك لي ما تعصاك» جملة من كلمتين فقط، لكل كلمة منهما معنى بعيد تماماً عن الأخرى.
ولكن جمعهما موروثنا الأدبي الاجتماعي في تناغم عجيب وتوليفة شعرية متناسقة، وكأنها بيت من الشعر ينتهي بنفس القافية، إلا أنه غير ذلك «عصاك»، أي العصا خاصتك والكل يعرف أن العصا هي من مكملات هيبة الرجل في الإمارات، ولا تفارقه بتاتاً إلى فترة قريبة، ولا يزال الكثير من الرجال في مجتمعنا لا تفارق العصا يده حتى يومنا هذا.
والبعض وإن لم تكن تلازمه إلا أنه لا يقوم بزيارة أحد أو يترجل من سيارته للسلام على أحد إلا وكانت العصا في يده، خصوصاً سكان الجبال والبادية «لي ما» حرفان معناهما التي «تعصاك» تعصي أمرك والمعنى هنا يكون بمجموع الكلمتين هو أنه سوف أكون لك كالعصا التي لن ترفض أو تعصي لك أمراً، والحقيقة المعنى لهذه التوليفة يقصد ذات المعنى، لأن العصا يستخدمها الفرد في مساعدته للقيام بأشياء كثيرة.
وكما هو معلوم بأنها تقوم بما يريد صاحبها كونها جماداً وتقوم بما يريد من يمسك بها، فهي تارةً موجه للجمل، وهي للرعي، وهي للضرب والدفاع عن النفس، وهي للزينة والوجاهة، وأشياء كثيرة أخرى، وكما أسلفنا سابقاً هي جماد لا حول لها ولا قوة ولا تعصي أمراً حتى ولو قام صاحبها برميها في النار لأي سبب كان، وهنا يكمن المعنى الحقيقي لجملتنا إذا ما استخدمها شخص في حديثه مع شخص آخر.
وغالباً ما يقولها المرؤوسون لرئيسهم لتثبيت ولائهم له، وأنهم كما لو كانوا العصا التي في يده والتي لن تعصي له أمراً قط، وعلى سبيل المثال لو كان قد حصل أمر ما سبب مشكلة بين فئتين من الناس وترتب عليه إقامة اجتماع بين الفريقين لحل ذلك الأمر النزاع، والاجتماع سيكون فيه عدد كبير من الطرفين، وقام كبير أحد أولئك الطرفين وخطب في جماعته كي يذكرهم ويحثهم على رباطة الجأش وعدم تصعيد الأمور وأن الحل والربط سيكون عن طريقه.
كما جرت السنة عند العرب من سالف الزمان، فتجد أبلغ جواب له هو «نحن عصاك لي ما تعصاك»، وهنا ينتهي الحديث، لأن المعنى لهذه الجملة هو أننا في يدك ولن نحرك ساكناً إلا بأمرك، وقد ترددت هذه الجملة على مسامعنا في بداية أحداث اليمن الشقيق عندما وقف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد مع جنوده المغاوير.
وكان يقول فيهم ما يقول لتشجيعهم وحثهم على نصرة الحق ليرد أحد أولئك الجنود «نحن عصاك لي ما تعصاك طال عمرك»، ليختم سموه حديثه بكلمة «كفو يا ولديه»، وكلمة «كفو» في المحلية إذا وجهت لأحد تعني أنه كفؤاً لذلك أو لما قال، وهي يمكن اعتبارها من الكلمات التشجيعية شديدة اللهجة، وسنبقى بإذن الله شعباً وفياً لمجتمعنا وشيوخنا وحكومتنا ولخليجنا ولعروبتنا ولديننا، ونحن جميعاً في هذه الدولة وحكومتها المعطاء سواء كنا مواطنين أو مقيمين «عصاها لي ما تعصاها» في كل الظروف وكل الحالات.
عاش الوطن ودام الرئيس.
وللحديث صلة…