يتفرد موروثنا الشعبي في إسقاطاته الغنية بالأدب والبعد التراثي الاجتماعي، وجملتنا اليوم هي جملة من كلمتين مختلفتين عن بعضهما البعض (حتات الروايح)، وإن نظرنا إلى الكلمة الأولى (حتات) فهي تطلق على الأشياء المادية التي غالباً ما تسقط من مكانها كالثمار أو الشعر.
لإيضاحها أكثر إليكم هذا المثال: نطلق على الشعر إذا سقط من الرأس أو اللحية أو الشارب كلمة (حتْ ) فإذا كان الرجل يشتكي لصديقه أن شعره يتساقط يقول بلهجتنا المحلية (شعري يحت) وإذا سقطت بعض ثمار الشجر لعدم نضجها بشكل صحيح أو لعطبها قالوا (حت) كالنخل والتين وأخرى.
أما الكلمة الثانية (الروايح) وهي تصغير لكلمة الرياح فكما تعلمون في اللغة العربية إذا أراد الشخص أن يصغر من شيء ولا يذكره كما يجب، بل يشكل في حروفه بطريقة توحي بأنه أصغر مما ينبغي، كقول أحدهم لآخر «أنا أمتلك بويتاً»، والمفروض أن يقول أنا أمتلك بيتاً، وبالتالي بويتاً توحي أنه يمتلك بيتاً صغيراً جداً وهنا تقوم جملتنا بتصغير كلمة الرياح إلى الروايح وذلك لتصغرها وبالتالي تعني أنها مجرد هبوب وليست قوية كالرياح.
دعوني أشرح الجملة ومعناها الاجتماعي والذي هو بعيد كل البعد عن المعنى الحرفي الغائر في أعماق المحلية الثقافية الاجتماعية لدولتنا الحبيبة فمجتمعنا استخدم هذه الجملة لمدح الأشخاص الذين ينحدرون من أصل طيب فيقول الرجل لمن معه مادحاً له إذا تساءلوا عن شخص يعرفه ويعرف أصله وقد استخفوا به، مثلاً، في استفسارهم عنه هذا (مب من حتات الروايح) (هذا من اسمنها وامتنها).
والقصد أنه ليس من قومِ عاديين إنما هو ذو نسب وحسب (وحتات الروايح) يقصد به ما أسقطته الريح من الثمار، وفي الطبيعة هناك موسم يأتي بالرياح الخفيفة والتي تهب خصيصاً لتقوم بإسقاط الثمر غير الجيد من الشجر ليبقى الثمر الجيد، ومن الممكن أن ينضج في موسمه.
هنا يؤكد موروثنا الأدبي المرتبط ببيئته الجغرافية المحلية، والتي استمد منها قوته وأصالته لينتج مزيجاً من المعرفة المستمدة من أعماق هذا التراث الغني، وليؤكد أنه من أغنى الثقافات وأعرقها ويعد قدمه بقدم أهله ويمتد إلى جذور هذه البلاد المباركة.
وللحديث صلة…