بالغوص في موروث دولتنا العريق تجد الكثير من الجواهر الاجتماعية الفريدة في أعماقه، وجملتنا (وسّع البارض) هي إحدى تلك الجواهر التي يتفرد بها موروثنا في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي عبارة عن جملة من كلمتين لا يستطيع القارئ أو من يسمعها فهم معناها إذا لم يكن ينتمي إلى موروثنا الجميل هذا. (وسّع البارض) جملة في صيغة طلب أو رجاء في أغلب الأحيان، لتخفيف حدة التوتر الذي افتعله عمل ما قبل البدء في حل ذلك التوتر أو المشكلة، والأغلب يعرف أن حل الأمور المتأججة التي يلفها الغضب تحتاج إلى نفوس هادئة تستطيع أن تقيم الأمور بشكل واضح وغير مشوش.
(وسّع) أي اجعل المساحة أكبر، ولتوضيح أكثر تعني اجعل الشيء أكثر اتساعاً (البارض) أي النفس أو الصدر، وذلك كون الصدر يضيق على صاحبه إذا استاء من شيء ما، وهي كلمة فصيحة تعني في بعض الأماكن من الجمل قليلاً قليلاً، كما هو الحال لدينا عندما نقول على سبيل المثال ونريد أن نوصي مجموعة بأن يحذروا من تفريغ مواد من الممكن أن تنكسر إذا لم يقوموا بإنزالها بحذر فتقول (نزلوها بالرّاض)، وهي كلمة كافية ليعلموا أن الموضوع يحتاج إلى حذر، وبالعودة إلى جملتنا نرى أن موروثنا الاجتماعي اختصر الكثير من الكلمات والكثير من الجهد في كلمتين، يستشعر من وجهت له تلك الجملة أن من أمامه عاقل يستطيع أن ينهي المشكلة أو الاختلاف بشكل جيد، ودعونا نسقط جملتنا في مكان مناسب حتى نستطيع فهمها بشكل أكبر، فلنفترض أن هناك خلافاً قام إثر تصرف أحد الأشخاص بشكل خاطئ وغير مسؤول مع جاره.
حيث قام الآخر برمي القمامة أمام بيت ذلك الجار، الأمر الذي أغضبه، ما دفعه إلى أن هم بإبلاغ الشرطة للبدء بإجراءات مقاضاة ذلك الجار، فيأتي جار آخر فيبادر باستنكار ما قام به ذلك الجار، ويوجه طلبه للمتضرر بـ(انته وسّع البارض) وسوف يصلك حقك من دون أن تقاضي من فعل هذا، والقصد رجاء قبل أن يكون طلباً منه بأن يهدأ ويترك ذلك الضيق الذي ضاق به صدره ودفعه للتفكير بتصعيد وإعطاء الأمور أكبر من حجمها، كون الجار يبقى ذا مكانة كبيرة في موروث دولتنا الحبيبة والأمة العربية والإسلامية والتغاضي عنه ومسامحته والعفو عنه واجب، إن كان ذلك ممكناً، وهنا يبقى موروثنا متألقاً بمخرجاته ومتفرداً بمعطياته التي صنعها خصيصاً لمجتمعه مستمداً كل ذلك الإرث الاجتماعي الثقافي الأدبي من جذور أمتنا العربية ليشكل خارطته المتميزة والمتفردة الخاصة به.
وللحديث بقية..