جملة من الجمل التي صنعها موروثنا الثقافي الاجتماعي في دولة الإمارات العربية المتحدة للتعبير عن مدى الرضى والسعادة والإطراء بطريقة اجتماعية تظهر مدى اختزال السنين لدى العرب بشكل عام في مضمون هذه الجملة «مدها لو من بعيد» «مدها»، أي مدّ يدك، «لو من بعيد»، أي حتى لو كنت بعيداً، وهنا نرى أن المضمون في هذه الجملة هو اليد والمصافحة بها، وقد كانت، ولا تزال، للمصافحة معانٍ كثيرة لدى العرب منذ الأزل، وصولاً إلى العصر الجاهلي، ومن ثمّ استمرت هذه الممارسة بالمعنى نفسه حتى بعد دخول الإسلام لدى كل الشعوب العربية في مجتمعنا الغني بثقافته العربية الأصيلة، الذي ما زال يتبع قيمه وعاداته وتقاليده، وإن تغيّر الزمن والمعطيات.
«مدها لو من بعيد» جملة تكررت كثيراً على مسامعنا في جلسات السمر بين أفراد المجتمع، فبدلاً من أن يقوم الشخص من مكانه ويذهب إلى جليسه ويصافحه، تجده يستمر فيما يقوم به من عمل، كصنع القهوة مثلاً، ويقول لصاحبه: «مدها لو من بعيد»، ويشير بيده فقط، وهو في مكانه، ويشهر الآخر يده نزولاً عند طلب صاحبه، ليشعره بالإطراء، كما لو قام ذلك الشخص من مكانه وصافحه بيده بغية إطرائه ومدحه على ما فعل من عمل استحق عليه المديح، على سبيل المثال: لو كنا نجلس في طائرة وبيني وبين صديقي مقاعد عدة، ويدور حديث عن موقف ما، وقد أبلى صديقي في ذلك الموقف بلاءً يستحق الإطراء والثناء، فأقول: «مدها لو من بعيد»، فيعرف الجميع أنني قد أعجبني فعله، واستحق مني الثناء والمديح.
كما أننا نستطيع استخدام الجملة نفسها في محادثة هاتفية، أيضاً، فإذا كنت قد أرسلت ابنك، أو شخصاً آخر إلى عمل ما، ويتصل بك ليعلمك أنه أنجز ما أرسلته من أجله على أكمل وجه، فتقول له: «مدها لو من بعيد»، أي كأنك تمدحه، وتصفه بكل الصفات الجميلة التي من الممكن أن يقولها شخص لشخص يريد بها مدحه والثناء عليه.
وهذا جزء يسير من القيمة الفعلية التي تتسم بها المصافحة في التراث العالمي في جميع أنحاء العالم، وما لها من أبعاد اجتماعية أخرى.
هنا يثبت موروثنا أن جذوره غائرة في عمق التراث العربي، ومرتبط به مع وجود الإنسان على هذه الجزيرة والخليج العربي، وقد تطورت هذه الجملة عند بعض الشباب مع التطورات الاجتماعية والتواصل السريع إلى «كفك»، وتحمل المضمون نفسه «مدها لو من بعيد»، ولكن بنشوة الانتصار أو عمل شبيه له، وهي بديل عن المصافحة باليد التي يقصد بها المباركة والإطراء، و«كفك» تعني راحة اليد.
هذا وللحديث صلة …