يضيء عبدالله حمدان بن دلموك، الرئيس التنفيذي لمركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، في كتابه «المتوصف» بطبعته الثانية المزيدة ( 91 مثلاً إضافياً)، على غنى ودلالات وقيمة الأمثال والحكم في دولة الإمارات، باعتبارها أحد أهم عناصر الأدب الشعبي والتي اعتمد عليها المؤرخون في تدوين وسرد المتغيرات في المجتمع في فترات مختلفة، فهي «الأمثال»، لسان حال المجتمع تنطق بكل ما يحويه من عادات وتقاليد وأعراف، وفي «المتوصف»، الصادر عن مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، يسلط الكاتب الضوء على تاريخ دولة الإمارات التي يبدأ تاريخها قبل اكتشاف النفط وليس بعده كما يظن بعضهم، ويقدم هذا العمل إضافة إلى المؤلفات الأخرى التي تعج بها المكتبات والمختصة بالأمثال، للنشء المعرفة والمعلومة التي يفتقدها النشء حول العادات والتقاليد التي كانت قانوناً يحكم المجتمع في الماضي، وإيماناً بدور مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث في حفظ التراث وتوثيقه، كان هذا الإصدار، إذ قال الكاتب إن رحلته في جمع الأمثال المدونة في الكتاب انطلقت عام 1990، متأثراً بوالده رحمه الله الذي استخدم الأمثال عند توجيه النصح له، إذ تشكل هذه الأمثال خلاصة تجارب السابقين.
دقة وتنوع
ينقسم الكتاب إلى خمسة فصول استهلها المؤلف بموضوع «منهجية البحث» ومراحله التي تبدأ بجمع الأمثال ومن ثم دراسة أركان المثل، وانتهاءً بتدقيقها، إذ تأتي هذه الخطوات قبل توثيقها حرصاً على الموضوعية والدقة، إذ هناك العديد من الأمثال المتداولة ليست إماراتية، وغيرها من الأمثال التي تفتقر إلى الدقة من ناحية الصوغ، ومن خلال البحث والمقابلات الشخصية مع أهل الخبرة يتم ضم الأمثال إلى الكتب، وبعدها ترتيبها حسب الأبجدية والمواضيع التي تتناولها، وأخيراً تدقيق كل مثل في معناه إذ إن بعض الأمثال مصدرها الحكايا أو التجارب أو أشعار.
أما «معاني الأمثال ودلالاتها» فكان عنوان الفصل الثاني من الكتاب وتندرج تحته عدة عناوين، تصنيف الأمثال وفقاً لأزمنتها وسماتها الاصطلاحية وعلة نشوئها، وعالمية الأمثال الشعبية، وعرف المؤلف في بداية هذا الفصل بمعنى «مثل»، وسمات المثل مستنداً إلى عدة مصادر مختلفة، أما تصنيفاتها لأزمنتها فقسمت إلى تصنيفات «قديمة» منذ العصر الجاهلي إذ اهتم الشعراء بحشو قصائدهم بالأمثال، والتصنيف الثاني «جديدة»، أو «مولدة» وهي التي قيلت منذ القرن الرابع الهجري، و«الحديثة»، التي جمعها الأوروبيون في القرنين التاسع عشر والعشرين، من سوريا وفلسطين ومصر ونشروها.
أما تصنيفها وفق سماتها الاصطلاحية فقد صنف إلى موجز وقياسي وخرافي، في حين التصنيف وفق علة النشوء فيعتمد على السبب الذي وضع المثل لأجله، عن حدث أو تشبيه أو قصة أو شعر أو حكمة أو عن القرآن الكريم والحديث.
أغراض وألفاظ
وتناول الفصل الثالث نشأة الأمثال الشعبية في الإمارات، وسماتها العامة وأسلوبها وصوغها وأغراضها والفروق بين الأقوال الشعبية السائدة في المجتمع والأمثال التي لها وقع وتأثير في الناس، وتمتاز الأمثال الشعبية بتوظيفها اللهجة المحلية وتعكس البيئة الإماراتية، وتتصف بالدقة في تجسيد الحياة الاجتماعية، وأثر القدرة على وصف العادات والتقاليد منذ القدم، وجاءت شاملة للبيئة الإماراتية.
وكانت اللهجة العامية أساس بناء المثل الشعبي، في أساليب متنوعة ومتعددة تعتمد التقرير والاستفهام والأمر والنفي والشرط والمحسنات والرموز.. وعدد المؤلف أغراض الأمثال الشعبية الإماراتية مثل الحكمة والحث على الأمانة والنصح والإرشاد، وتعزية النفس والتعجب من مفارقات الحياة، والحث على التحلي بصفات الرجولة والعزة، وغيرها الكثير.
وكانت اللهجة الإماراتية وتشكيل حروفها وصفات بنائها محور الفصل الرابع، وذلك وفقاً إلى تقسيمات مجتمع الإمارات من بدو وحضر وسكان الجبال والقرى، إذ ذكرت عدد من المصادر التي ذكرها المؤلف في الكتب أن معظم الألفاظ والكلمات منشؤها اللغة العربية الفصيحة، ولفت إلى تأثر أهل الحضر من سكان السواحل بلهجات أخرى نتيجة التجارة التي أدت إلى دخول بعض الألفاظ الأعجمية.
وذكر السمات الصوتية للهجة الإماراتية في نطق الهمزات على اختلاف مواقعها في الكلمة. وفق الترتيب الأبجدي لحروف الهجاء، رتب المؤلف عبدالله حمدان بن دلموك الأمثال من حرف الألف إلى حرف الياء، شارحاً المثل ومعاني كلماته ومناسبة قوله واستخدامه، إضافة إلى ذكر الأشعار التي صارت تضرب أمثالاً.