18 يناير 2018: في أقصى الجنوب وبمحاذاة شريط صحراء الربع الخالي في إمارة ابوظبي، استقبلت رمال الصحراء المترامية أمس الموافق 17 يناير 2018 أولى خطوات الرحالة الذين شدوا اللجام ليبدأو رحلتهم على ظهر سفن الصحراء، ويعيشوا مغامرة أقرب في طقوسها إلى مسيرة القوافل في الماضي بغية الترحال من مكان إلى آخر.
وقبل الإنطلاق على خطى الأجداد، لبدء النسخة الرابعة من “رحلة الهجن” التي ينظمها مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، وأضحت حدثاً سنوياً يتصدر أجندة الفعاليات، حرص الرحالة وعددهم 15 مشارك، بالتدرب على ركوب الجمال والتعلم على طرق العناية بها. وتم نقلهم مساء أمس إلى معسكر التخييم في المنطقة الغربية في إمارة ابوظبي، ليأخذوا قسطا وافيا من الراحة قبل البدء بالرحلة.
وبمناسبة انطلاق النسخة الرابعة من الرحلة، رحبت هند بن دميثان القمزي، مدير إدارة الفعاليات في مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، بكافة المشاركين، فرسان الصحراء، الذين عقدوا العزم على خوض تجربة نادرة، تتطلب رباطة جأش وقدر عال من قوة التحمل والشجاعة لإجتياز التحديات في رحلة محفوفة بالمخاطر وقالت “على غرار السنوات الماضية تستمر رحلة الهجن في اكتشاف الصحراء ونمط العيش والترحال كما كان في القدم، إلا أنها اليوم في مرحلة جديدة مختلفة في مضمونها بالمقارنة مع الرحلات السابقة التي كانت تعتبر في طور التجربة والإختبار، حيث كان خط سير الرحلة في النسخ الماضية بمحاذاة المناطق المجاورة للمدن والقرى المأهولة بالسكان وبالتالي قريبة من مناطق الامدادات الضرورية للرحلة سواء من الكهرباء أو الماء أو المؤنة. فيما تنطلق الرحلة هذا العام، من شريط الربع الخالي، أو ما كان يسمى ب “ربع الخراب”، وهي تسمية تراثية، نظراً لوعورة الصحراء والبيئة التي تخلو من أية حياة برية، وستقطع القافلة نحو 200 كيلومترا للخروج من شريط الربع الخالي الكائن في الجزء الجنوبي من دولة الإمارات العربية المتحدة.”.
واوضحت هند بن دميثان “تعتبر هذه الرحلة الأولى من نوعها في الدولة أو المنطقة، لأنها سوف تجوب طرقاً قلما كانت تقطعها القوافل في الماضي نتيجة علو الكثبان الرملية فيها والتي تصل إلى 300 متر، وتكثر فيها مناطق الرمال المتحركة والأودية الوعرة فيها، ولكن الرحلة مدروسة بدقة، وتم إرسال رحلات استطلاعية منذ أسابيع لرسم خارطة الطريق الذي ستسلكه القافلة”.
وعن التنظيم وسلامة المشاركين، اضافت بن دميثان “حرصا على سلامة المشاركين، اتخذنا كافة الإجراءات اللازمة بما فيها تعيين “مسعف” لتقديم الخدمات الطبية والاسعافات الأولية إذا ما دعت الضرورة، وعدد من الخبراء بالمجال على رأسهم الرئيس التنفيذي للمركز، عبد الله حمدان بن دلموك، للإستعانة بخبراتهم الواسعة في مجال تحديد المسارات، ووفرنا ما يكفي من اللوازم والإمدادت والمؤن حتى تعبر القافلة شريط الربع الخالي وتقترب من الشوارع الرئيسية والمناطق المأهولة بالسكان”.
نسخة مميزة
النسخة الرابعة من رحلة الهجن التي ينظمها مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، تضم 15 مشاركاً، منهم 6 نساء و 9 رجال، يمثلون 10 بلدان وهي دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والمملكة المتحدة وفرنسا والجزائر وسوريا وباكستان وماليزيا وأوكرانيا وبولندا (حيث انضمت الإعلامية البولندية انا دودزينسكا إلى المشاركين مؤخرا لتعيش التجربة وتنقل الفعالية من قلب الحدث).
خط سير القافلة
أنطلقت القافلة على خط السير التالي: ليوا، كشيورة، أم الزمول، الوجن، العراد، الخزنة، الساد، ناهل، العشوش، سيح السلم. بينما ستقطع القافلة حوالي 50 كيلومترا في اليوم للوصول إلى القرية التراثية التابعة للمركز في القرية العالمية، وذلك بتاريخ 26 يناير 2018. وجاء التغيير في تاريخ الوصول لكون القافلة تحركت من مساء يوم 16 يناير الجاري لتنطلق في الصباح الباكر من اليوم التالي.
تفضيل الرحلة على إجازة إيطاليا
وسردت الأوكرانية ميلا البالغة من العمر 30 عاما ومقيمة في الدولة منذ 3 سنوات، تجربتها في المشاركة الأولى لها في هذه الرحلة وقالت ” حدثتني زميلتي في العمل عن هذه الرحلة، وذلك الوقت كنت على وشك الذهاب لقضاء عطلتي السنوية في إيطاليا، لكن حينما شاهدت لقطات من النسخ الماضية وقرأت تجربة المشاركين في النسخ السابقة، قررت أن ألغي عطلتي في إيطاليا وفضلت أن أشارك في هذه الرحلة. قرار بدا غريبا بالنسبة لأصدقائي لكنني حينما أخبرهم بما أقوم به هنا وأعيشه يوميا فإنهم يرون كم أنا محظوظة للغاية لقيامي بهذه المغامرة”.
وكشفت ميلا أن أول يوم في تدريبات ركوب الهجن هنا تصادف مع عيد ميلادها، وقالت “كانت أجمل هدية في عيد ميلادي، خوض هذه التجربة في أول يوم لي في عامي الجديد منحني المزيد من القوة في حياتي، وهذه التجربة عموما رائعة للغاية كونني قادمة من أوكرانيا وهناك لم اجرب التعامل مع الهجن أبدا، أو أنال فرصة لرؤيتهم عن قرب، بينما هذه الرحلة تفسح لي المجال لتعلم الكثير عن الهجن والصحراء وطبيعة الحياة القديمة والتراثية هنا”.
وأوضحت ميلا التي تعمل في شركة تطوير عقاري في دبي، أن هذه الرحلة الاستكشافية تفتح لها آفاقا واسعة للتعرف على أمور جديدة، فيما عبرت عن سعادتها بالعيش هنا واكتشاف مدى كرم وترحيب المواطنين الإماراتيين بجميع الأفراد من جميع الجنسيات والتسامح الذي يجعل العيش هنا رائعا للغاية.
التخلص من “الموبايل” 11 يوما
كشفت الجزائرية فاطمة خيران المقيمة في دبي منذ عامين والبالغة من العمر 25 عاما، انها قررت التخلص من هاتفها المحمول “الموبايل” طوال مدة الرحلة الممتدة 11 يوما، وقالت “أردت عيش هذه الرحلة التراثية بكامل تفاصيلها، وخوض تجربة الحياة في الصحراء الخلابة يدون وسائل التكنولوجيا، حيث تركت رقما للطوارئ عند مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث في حال احتاج أهلي التواصل معي، لكن لم أرد أن أهدر وقتي على الهاتف في هذه الرحلة، وأن استمتع بما يقدمه المركز لنا من حفاوة وتفاصيل تراثية”.
وأوضحت المشاركة أن زملائها شجعوها على المشاركة نظرا لكونها تعشق خوض المغامرات في مختلف الدول التي تزورها، فيما شجعتها أسرتها المتواجدة في الجزائر على المشاركة نظرا لكونها تنحدر من أصول بدوية رغم إنه تقطن في مدينة وهران المتطورة، وقالت “أجدادنا عاشوا الحياة البدوية، فيما لم تسنح الفرصة لأجيالنا الحالية عيش هذه الحياة، أنا أعرف كيفية ركوب الهجن، لكن هذه المرة الأولى التي أخوض فيها رحلة تمتد هذه المدة من الأيام المتتالية”.
واعتبرت أن تنوع الجنسيات المشاركة منحتهم مجالا للتعرف، فيما تلجأ لها الفتيات المشاركات للحصول على بعض المعلومات بوصفها الفتاة العربية الوحيدة بينهم، وقالت “نشكر مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث على إقامة هذه الرحلة الاسكتشافية، ونتطلع لخوض العديد من الأمور الجميلة في الأيام المقبلة”.