جملة جميلة من جمل موروثنا الغني بالمعاني والحكم والأمثال التي صنعتها معطيات ذلك الموروث، والذي حددت له هوية أصحابه التي يضرب بهم المثل عالمياً في حسن الخلق والتعايش والتعاطف مع الحراك الدولي في شتى بقاع الأرض (تردك عن العيش حرورته)، ودعونا نترجم جملتنا تراثياً (تردك)، أي ترجعك أو تقصد بها ما يجبرك عن التوقف عن القيام بما تريد (العيش) تعني الأرز، (حرورته) سخونته، وإذا تمعنا وترجمنا معاني الكلمات، وجدناها مترابطة نوعاً ما، ولكنها لا تعطي القارئ أي معنى واضح، والحقيقة هي ذات معنى كبير، واختصار لعشرات من الصفحات المكتوبة، وذات بعد تراثي عميق، يغني عن كثير من الشرح، فجملتنا تأخذ الشخص الموجهة له إلى أبعد من مجرد كلمات معبرة، وتصل به إلى وصف حالة الوضع بكامله وبأدق تفاصيله، دون الحاجة إلى شرح أو إطالة في الكلام، ولأوضح المعنى الحقيقي لجملتنا، دعوني أسقطها في حالة، كي يتمكن القارئ من أخذ فكرة كاملة عن هذه الجملة، فلو فرضنا، على سبيل المثال، أن هناك قرية تقع على أطراف البلد.
وقد تم إسناد شؤون أهلها إلى أحد أفرادها من قبل حكومة البلد، وبعد فترة ذهب أحد مسؤولي البلد ليطمئن على أمورها ومدى استفادة المجتمع من الخدمات التي يحصلون عليها، ووجد أن هناك من يعاني من نقصٍ في خدمةٍ ما، وبسؤاله للمستفيدين من الخدمات عن سبب عدم استفادتهم من تلك الخدمات التي تقدمها الحكومة أو طلبها من المسؤولين في هذه القرية، يتلقى الجواب منهم بجملتنا اليوم (تردك عن العيش حرورته)، وتلقائياً يعي المتلقي أن هناك خطباً ما يتعرض له الناس، منعهم من طلب حقوقهم، حيث إن الموروث أنشأ هذه الجملة مع الرزق، كون (العيش) الأرز، هو من يعمل الجميع لتوفيره، أي أن الناس تعمل لكسب لقمة العيش والحياة الكريمة، وبالتالي، فإن الجملة تقول ما منعني عن الرزق، هو صعوبة الوصول له، وشبه الصعوبة في الحرارة التي تمنع الناس من أكل الطعام، والكل يعلم تماماً أنه لا يستطيع الإنسان تحمل حرارته، وبالتالي، يفهم المتلقي أن السبب هو المسؤولون في تلك المنطقة، أو المسؤول الذي يستخدم سلطته ضدهم، وبالطريقة التي يهضم بها حقوقهم، وهنا، يثبت لنا موروثنا مخرجات كبيرة بحجمه وعراقته، ويؤكد أنها أصل مخزون ثقافي وحضاري عريق، مع قلة عدد مجتمعنا، مقارنة مع باقي دول العالم.
هذا، وللحديث صلة…