هذا هو رمضان شهر البركة وشهر الخير قد شارف على الرحيل ولا شك أن له في ذاكرة وموروث دولتنا الحبيبة نصيب، إن لم يكن كسائر الأشياء الأخرى كان أكثر، فلرمضان مكانة خاصة لدى أهلنا، وعنواننا اليوم هو مثل شعبي يدل ليس على مدى طيبة أهلنا الزائدة والمفرطة، ولكن أستعرض هذا المثل اليوم كي أبين كيف أن أهلنا يستعدون لرمضان بوقت طويل، ودعوني أشرح المثل أولاً وهو عبارة عن قصة دارت في أحد البيوت البسيطة المفعمة بالحب والحيوية كسائر بيوت أهلنا قديماً.

يحكى أن رجلاً أحضر إلى بيته »يراب سح« وهو عبارة عن كيس مصنوع من سعف النخيل يسمى »خصافه« فإذا به مليئ بالتمر ويبدل اسمه إلى »يراب« وقال لزوجته لا تلمسي هذا »اليراب« لأنه ليس لنا، إنه لرمضان. وكان يوحي لها أن هذا رمضان شخص وليس شهراً وذلك في حيلةٍ منه ليبعدها عن التمر، فهو يعرف مدى كرم زوجته وأنها لن تبخل بشيء منه لضيف أو جائع حتى يكفيه الحاجة في شهر الصوم شهر رمضان المبارك.

لطيبتها الزائدة وصفاء نفسها صدقت وبالفعل حافظت عليه إلى فترة تتعدى الأربعة أشهر حتى بدأ ذلك »اليراب« بإخراج الدبس الأمر الذي حفز الفئران على أن تصول وتجول في ذلك البيت الصغير بسبب رائحة الدبس الشهية حتى ضاقت منها ذرعاً فأخذت تسأل زوجها عن رمضان ومتى سيأتي ليأخذ ذلك »اليراب«، وهو بكل بساطة يمنّيها بأنه سوف يأتي قريباً حتى تجاذبت مع جارتها أطراف الحديث عن موضوع »اليراب« وكم هي تتمنى أن يأتي السيد رمضان ليأخذ أمانته التي قلبت بيتها رأسا على عقب، وصادف وجود امرأة أخرى لديها التي تأكدت من سذاجة المرأة وطيبتها الزائدة فقررت الاستيلاء على ذلك »اليراب«.

في ذلك الزمان يستطيع الرجل أن يتزوج بامرأة بذلك »اليراب«، وبالفعل بعثت بزوجها إلى صديقتها صاحبة القصة فطرق عليها الباب وقال أنا رمضان فهللت المرأة ورحبت به وأخبرته بشكل مختصر عن مدى معاناتها مع هذا »اليراب« وكم هي سعيدة بقدومه لأخذه، وعندما عاد زوجها في آخر النهار إستقبلته بفرح شديد وقالت له البشارة قد أتى رمضان وأخذ »اليراب«، الأمر الذي نزل كالصاعقة على زوجها المسكين فقد ذهبت مؤونة رمضان وكانت حساباته خاطئة، وقد أيقن بأن هناك من عرف بسذاجة زوجته واستغلها وأخذ مؤونته.

في تحليلنا للوضع نرى أنه قام بتلك الحيلة للإبقاء على ذلك التمر كون المؤونة قليلة في ذلك الزمان، والنَّاس ليس لديها كمية الطعام المطلوبة في كل وقت والحياة صعبة. وهنا نجد أن أهلنا ومجتمعنا كان يستعد لرمضان من كل النواحي رغم بساطة العيش. وفي الختام أتمنى أن أكون قد سردت لكم قصة تثري ذاكرتكم الثقافية، وأود أن أوضح أن أهلنا في السابق لا يقولون اليراب »الله يعوده عليكم« وإنما يدعون ويقولون »الله يعودكم عليه« لأن رمضان عائد لا محالة إنما نحن من لا نعرف إن كنّا سنعود أم لا، وهنا أدعو من الله أن يعيدكم على هذا الشهر وأنتم ومن تحبون بصحة وسلامة وأحسن حال.