كثيرة هي معطيات الأدب في مجتمعنا في الإمارات وبمختلف تضاريسها الجغرافية، وأقصد هنا بالتضاريس الجغرافية طبيعة الأرض التي تشكلت منها المعطيات الاجتماعية للحضر والبدو وسكان الحجر، والتي أثبتت الدراسات أن هذه البيئات الثلاث لديها مخرجات مختلفة بسبب تأثير الأدب الشعبي العام للدولة لا سيما الاجتماعية منها، إلا أنه وفي نهاية الأمر يتشارك الجميع فيها كمجتمع واحد دون النظر إلى اختلاف تلك التضاريس، ونجد أن أهل الساحل (الحضر) تكون مخرجاتهم مرتبطة أغلبها بالبحر، أما أهل البادية فتجد مخرجاتهم مرتبطةً أكثر بالبادية والجمل وأهل «الحَيَر»، أي الحجر ـ والقصد منه الجبال ـ مرتبطون في مخرجاتهم الأدبية بالجبل ووعورته وصلابته وقوته وجملتنا اليوم هي مما أخرجته باديتنا المترامية الأطراف، وهي جملة غير مباشره للدلالة على مفهوم اجتماعي خاص بنا نحن مجتمع هذه الدولة الحبيبة (خل الشقرا عليها يلالها) جملة صنفها الباحثون على أنها مثل، ففيها من الحكمة التي نتجت عن تجربة مئات السنين، وقد صاغها الأدب في الدولة بأسلوب وكلمات موزونة حتى يكون لها وقع مباشر لدى من يسمعها وتفسير كلمات الجملة لا يوضح شيئاً من معنى الجملة وبعدها الاجتماعي فهي مكونة من أربع كلمات (خل) أي اترك (الشقرا) ذات اللون الأشقر ولم يوضح ما هي، (عليها) فوقها (يلالها) الجلال وهو قطعة من القماش تستخدم لتغطية الأشياء سواء كان جماداً أو حياً والحقيقة هي جملة غير مفهومة للكثيرين كون الجملة تخلو من أي اسم ظاهر من شأنه أن يوضح المعنى، وفي نفس الوقت هي جملة بسيطة جداً نسبياً لمن ينتسب لهذا الموروث ومجتمعنا في الدولة، و(الشقرا) هي بيت القيد في الجملة وتوضح المعنى العادي والسطحي ومعناها الناقة الشقراء والتي لها مكانة خاصة لدى مجتمعنا والجمال الشقر هي أحد أنواع سلالات الهجن الأصيلة في الدولة، فهناك الشقر والصفر والحمر والسحم والنوع الأشقر هو أكثر الأنواع انتساباً لأرض الدولة وقال فيها الشاعر المرحوم سعيد بن راشد بن عتيج الهاملي في بداية إحدى قصائده المخلدات في الدولة (أصبحت يا شقرايه/عيل على المسراح/ ويلاج هب عالغايه/ ما من عضام اصحاح).

وجملتنا (خل الشقرا عليها يلالها) تعني «اترك الناقة الشقراء بغطائها أفضل من أن تقوم بكشف الغطاء عنها» وكأنه يريد أن يقول اترك المستور مستوراً أفضل فلربما لن يعجبك الوضع ولن يسرك ما سوف ينكشف لك من الكشف عن بدنها وهذه الجملة تقال دائماً من الأشخاص المتسامحين وأصحاب التضحية والحق، ولكي أوضح الجملة أكثر سوف أضرب لكم مثلاً عن كيفية استخدامها وأين يكون موقعها، فلنفترض أن هناك مديراً في إحدى الشركات اكتشف خطأً إدارياً في أحد الأقسام وبدأ في لوم رئيس القسم وسؤاله عن سبب حصول ذلك الخطأ وكيفية قبوله بحدوث ذلك، والحقيقة هي أن المدير هو سبب ذلك الخلل كونه ـ على سبيل المثال ـ أصر على إسناد بعض المسؤوليات في القسم لأحد الموظفين الذي قام هو بتوظيفه رغم قلة إلمامه بالعمل ورغم محاولات رئيس القسم أن يثبت للمدير أن هذا الموظف غير جدير بهذه المسؤولية إلا أنه كان لا يقبل كلامه ويرفضه لكون ذلك الموظف ابناً لأحد أعز أصدقائه، وهنا يقول رئيس القسم للمدير رداً على استفساراته بهذا الشأن (خل الشقرا عليها يلالها)، فقد اختصر رئيس القسم كل الكلام الذي من شأنه أن يجرح مشاعر المدير في هذه الجملة المهذبة التي تحمل بين أحرفها حسن خلق أهل هذه الأرض الطيبة، ويقول له بكل احترام وبطريقة غير مباشرة مهذبة أنت من تسبب بهذا الخطأ، كونك من أصر على إسناد الأمر إلى ذلك الموظف الذي أخفق في هذا العمل، وبالتالي كأنه يقول له اترك خفايا الأمور فإن جوابها لن يعجبك، بلغتنا المحلية.

وأيضاً تستخدم بين الأصدقاء والأقارب فإذا كان أحد ما يعاني من مشاكل أياً كانت وعلى سبيل المثال لو كان رجل من ذوي الدخل المحدود وقد كبر أولاده وزادت طلباتهم وتوفيرها لهم ليس بالأمر البسيط، فهذا بحاجة إلى سيارة والآخر كذلك، وتلك بحاجة إلى متطلبات حياتية كثيرة والزوجة لها مطالبها هي الأخرى، ولا نقول مطالب غير مشروعة إنما هي الحياة واحتياجاتها التي لا تنتهي ويلتقي بأخيه أو قريبه أو صديق عزيز عليه ويسأله عن حاله وأموره فلا يجد خيراً من جملتنا، ليقولها فهي تحوي بين أحرفها كل تلك المعاناة فيقول (خل الشقرا عليها يلالها) فكأنه يريد أن يقول من أين سأبدأ أو بأي شيء، وحتماً من سأله عن حاله سوف يعي تماماً أن أخاه أو صديقه قد ضاقت به الحياة كثيراً وأموره ليست بالمفرحة، وقس على ذلك في جميع أمور الحياة المشابهة لهذا الوصف أو لهذه الحالة التي ذكرناها في هذا المثل، وبالتالي يبقى التراث الشعبي في الأدب لدولة الإمارات العربية المتحدة شامخاً بمعطياته أمام كل ثقافات العالم، رغم صغره وقلة عدد مجتمعه مقارنةً بالشعوب الأخرى، عاشت دولتنا حرةً شامخةً آمنةً وحفظ الله رئيسنا وأدامه.

هذا وللحديث صلة