لكل أمة موروثها العام، الذي تستمد منه قوتها، ويختلف الموروث في المجتمعات من حيث التفاصيل، لكن موروث أمتنا يبقى ثابتاً، ومن القواعد الأساسية في حياتنا، والذي يعتبر بمثابة ركن لا يمكن الاستغناء عنه.

من أهم ركائز موروثنا، الصدق والأمانة والوفاء بالوعد ونصرة المظلوم، وغيرها الكثير، ومثلنا الشعبي اليوم، عبارة عن ترجمة لتلك الركائز التي نراها في موروثنا المتأصل في موروث أمتنا العربية الإسلامية، أي نجدة المستغيث وطالب المساعدة.

هذا بالضبط ما يعنيه مثلنا الشعبي »الصايح مثيوب«، والمكون من كلمتين فقط، واللتان تحملان إرث أمة في بلاغتهما، وتدخلان في صميم تراث دولتنا الحبيبة وموروثنا الاجتماعي.

دعونا نشرحها لكم (الصايح)، وتعني صوت المستنجد (مثيوب)، وتعني وجبت مساعدته (الصايح مثيوب)، أي أنه إذا كان هناك أحد يستنجد ويطلب النجدة، فوجب على الجميع نجدته، حتى ولو لم تكن تعرفه، فالجملة لا تحمل أي معان أو خيارات أخرى، فجاءت بشكل أمر (الصايح مثيوب)، وكأن الموروث يقول، إذا سمعت أحداً يستنجد، فهب لنجدته، ولم يعط أي خيارات أو إمكانية للتخاذل.

هذا اليوم، يحدث في اليمن (الصايح مثيوب)، وهذا ما حدث في يوم من الأيام، عندما كان المسلمون يحكمون الأرض، وقد وصل إلى الخليفة المعتصم بالله بن هارون الرشيد، خبر عبر أهل القوافل من آلاف الكيلومترات، وتحديداً من عمورية، والتي تقع في آسيا الصغرى (تركيا حالياً)، أن هناك إمرأة صرخت مستنجدة بالخليفة وقالت »وامعتصماه«، بدون أن يعرف من هي، فهب ملبياً نداء الاستغاثه على رأس جيشٍ جرار، لا يكاد يرى آخره، مستجيباً لندائها ونصرتها.

اليوم، وتلبيةً لنداء الموروث الذي تأصل فينا، واختلط في دمنا، نقوم، وبدون تخاذل أو حسابات، لنجدة إخواننا في اليمن، ونقف معهم موقف العروبة، ترابط الدم والأرض والعرق، بعد أن استنجدوا بنا وبأشقائنا في شبه الجزيرة العربية، وما تقوم به دولتنا اليوم من نصرة إخواننا في اليمن، هو أكبر دليل على عراقة شعبنا وأهلنا وموروثنا، الذي يثبت بأنه محفور في صدورنا، ولن يؤثر فيه ما نحن فيه من رغد العيش وتطور وتقدم حضاري ومعماري وتقني وتكنولوجي.

إننا في دولة الإمارات العربية المتحدة، شعب يقف على قاعدة صلبة، وهي عبارة عن موروث نستمد منه شموخنا وعزّنا وقيمنا، مستكملين مسيرة أجدادنا الذين شهد لهم التاريخ أنهم سقوا هذه الأرض بدمائهم الطاهرة أمام المغررين والمخربين على مر العصور. هنيئاً لمن خلدهم التاريخ من أبنائنا بشهادتهم في نصرة المظلوم، وهنيئاً لنا بوطن جعل رؤوسنا تلامس السحاب عزة وفخراً، حفظ الله الوطن، وأدام الدولة وحكومتنا.